responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 155
هَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ تَمَامِ الْجَزَاءِ إِلَى الْآخِرَةِ وَالْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمُقَدِّمَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: كانَتْ مِرْصاداً [النَّبَإِ: 21] وَنَقُولُ: الْمِرْصَادُ الْمَكَانُ الَّذِي يَتَرَقَّبُ فِيهِ الرَّاصِدُ مِفْعَالٌ مِنْ رَصَدَهُ كَالْمِيقَاتِ مِنْ وَقَتَهُ، وَهَذَا مَثَلٌ لِإِرْصَادِهِ الْعُصَاةَ بِالْعِقَابِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفُوتُونَهُ، وَعَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَيْنَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: بِالْمِرْصَادِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: / قَالَ الْحَسَنُ:
يَرْصُدُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَثَانِيهَا: قَالَ الْفَرَّاءُ: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ عَامَّانِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَخُصُّ هَذِهِ الْآيَةَ إِمَّا بِوَعِيدِ الْكُفَّارِ، أَوْ بِوَعِيدِ الْعُصَاةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَرْصُدُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَدَلَ عَنْ طَاعَتِهِ بِالْعَذَابِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَرْصُدُ لِأَهْلِ الظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ، وهذه الوجوه متقاربة.

[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 16]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16)
اعلم أن قوله: فَأَمَّا الْإِنْسانُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الفجر: 14] كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَبِالْمِرْصَادِ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا يُرِيدُ إِلَّا السَّعْيَ لِلْآخِرَةِ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ لَا يُهِمُّهُ إِلَّا الدُّنْيَا وَلَذَّاتُهَا وَشَهَوَاتُهَا، فَإِنْ وَجَدَ الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا يَقُولُ: رَبِّي أَكْرَمَنِي، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَذِهِ الرَّاحَةَ يَقُولُ: رَبِّي أَهَانَنِي، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْكُفَّارِ: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الرُّومِ: 7] وَقَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ [الْحَجِّ: 11] وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَشَقَاوَتَهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ، فَالْمُتَنَعِّمُ فِي الدُّنْيَا لَوْ كَانَ شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ فَذَاكَ التَّنَعُّمُ لَيْسَ بِسَعَادَةٍ، وَالْمُتَأَلِّمُ الْمُحْتَاجُ فِي الدُّنْيَا لَوْ كَانَ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ فَذَاكَ لَيْسَ بِإِهَانَةٍ وَلَا شَقَاوَةٍ، إِذِ الْمُتَنَعِّمُ فِي الدُّنْيَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّعَادَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَالْمُتَأَلِّمُ فِي الدُّنْيَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّقَاوَةِ وَالْهَوَانِ وَثَانِيهَا: أَنَّ حُصُولَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولَ الْآلَامِ فِي الدُّنْيَا لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا مَا يُوَسِّعُ عَلَى الْعُصَاةِ وَالْكَفَرَةِ، إِمَّا لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وإما يحكم الْمَصْلَحَةِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ وَالْمَكْرِ، وَقَدْ يُضَيِّقُ عَلَى الصِّدِّيقِينَ لِأَضْدَادِ مَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمُجَازَاةٍ وثالثها: أن المتنعم لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْفُلَ عَنِ الْعَاقِبَةِ، فَالْأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَالْفَقِيرُ وَالْمُحْتَاجُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْفُلَ عَمَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا مِنْ سَلَامَةِ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَدَفْعِ الْآفَاتِ وَالْآلَامِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا وَلَا حَصْرَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِهَانَةِ مُطْلَقًا وَرَابِعُهَا: أَنَّ النَّفْسَ قَدْ أَلِفَتْ هَذِهِ الْمَحْسُوسَاتِ، فَمَتَى حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُشْتَهَيَاتُ وَاللَّذَّاتُ صَعُبَ عَلَيْهَا الِانْقِطَاعُ عَنْهَا وَعَدَمُ الِاسْتِغْرَاقِ فِيهَا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَحْسُوسَاتِ رَجَعَتْ شَاءَتْ أَمْ أَبَتْ إِلَى اللَّهِ، وَاشْتَغَلَتْ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ فَكَانَ وِجْدَانُ الدُّنْيَا سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ مِنَ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالشَّقَاوَةِ وَالْإِهَانَةِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّنْيَا، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ/ أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ إِلَى أَعْظَمِ السِّعَادَاتِ وَخَامِسُهَا: أَنَّ كَثْرَةَ الْمُمَارَسَةِ سَبَبٌ لِتَأَكُّدِ الْمَحَبَّةِ، وَتَأَكُّدَ الْمَحَبَّةِ سَبَبٌ لِتَأَكُّدِ الْأَلَمِ عِنْدَ الْفِرَاقِ، فكل من كان وجدانه للدنيا أَكْثَرَ وَأَدْوَمَ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لَهَا أَشَدَّ، فَكَانَ تَأَلُّمُهُ بِمُفَارَقَتِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَشَدَّ، وَالَّذِي بِالضِّدِّ فَبِالضِّدِّ، فَإِذَنْ حُصُولُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا سَبَبٌ لِلْأَلَمِ الشَّدِيدِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعَدَمُ حُصُولِهَا سَبَبٌ لِلسَّعَادَةِ الشَّدِيدَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ وِجْدَانَ الدُّنْيَا سَعَادَةٌ وَفِقْدَانَهَا شَقَاوَةٌ؟.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ إِنَّمَا تَصِحُّ مَعَ الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ رُوحَانِيًّا كَانَ أَوْ جُسْمَانِيًّا، فَأَمَّا مَنْ يُنْكِرُ البعث من

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 155
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست